العقبات القانونية والإجرائية التي تعيق انتشار التحكيم والوساطة

بقلم/ نادين عماد.
محام، قسم تسوية المنازعات

العقبات القانونية والإجرائية التي تعيق انتشار التحكيم والوساطة

تُعد الوسائل البديلة لحل النزاعات، مثل التحكيم والوساطة، من الأدوات الفعالة التي يمكن أن تسهم في تعزيز بيئة الاستثمار وتحسين المناخ الاقتصادي. ورغم الفوائد الكبيرة لهذه الوسائل، إلا أن هناك عددًا من العقبات القانونية والإجرائية التي تعيق انتشارها، خاصة في السياقات القانونية مثل مصر. هذا المقال يستعرض هذه العقبات، وأسباب نقص الوعي والثقة، وكيفية التغلب على هذه التحديات لتعزيز دور الوسائل البديلة.

  1. العقبات القانونية

1.1. الإطار القانوني غير المتكامل

تُعاني العديد من الدول، بما في ذلك مصر، من نقص في وجود إطار قانوني شامل ينظم التحكيم والوساطة. على الرغم من وجود قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994، والذي تم تعديله بموجب القانون رقم 9 لسنة 2019، إلا أن تطبيقه يتطلب المزيد من التطوير ليتماشى مع المعايير الدولية. (المصدر: موقع وزارة العدل المصرية)

1.2. التناقضات القانونية

تتداخل بعض القوانين المحلية مع أنظمة التحكيم، مما يؤدي إلى حالات من عدم اليقين القانوني. على سبيل المثال، قد تتعارض قوانين معينة مع صلاحيات المحكمين أو تحكم بطرق معينة في تنفيذ الأحكام، مما يثني الأطراف عن اللجوء لهذه الوسائل. (المصدر: دراسة عن التحكيم التجاري في مصر، مركز الدراسات القانونية، 2022)

1.3. عدم وضوح القواعد المتعلقة بالتحكيم الدولي

التحكيم الدولي يتطلب فهمًا واضحًا للقوانين المعمول بها في الدول المختلفة. عدم وجود آليات قانونية واضحة لحل النزاعات الدولية يسبب القلق للمستثمرين الأجانب، مما يدفعهم إلى تجنب التعامل مع السوق المصرية. (المصدر: تقرير لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، 2020)

2-العقبات الإجرائية

2.1-تعقيد الإجراءات

تُعتبر الإجراءات القانونية المتعلقة بالتحكيم والوساطة في بعض الأحيان معقدة وتحتاج إلى فترة طويلة. مثل هذه التعقيدات قد تؤدي إلى نفور الأطراف من اللجوء لهذه الحلول، خاصة إذا كانوا غير معتادين على هذه الأنظمة. (المصدر: دراسة حول فعالية الوسائل البديلة في حل النزاعات، 2021)

2.2. التكاليف المرتبطة

تعتبر تكاليف التحكيم والوساطة أحد العوامل المهمة التي تحد من استخدامها. فقد تكون الرسوم المرتبطة بمؤسسات التحكيم مرتفعة، مما يجعلها غير متاحة للأطراف ذات الموارد المالية المحدودة. (المصدر: دراسة عن التكلفة والفعالية في التحكيم التجاري، 2022)

2.3. نقص المحكمين المؤهلين

هناك نقص في عدد المحكمين المؤهلين والمتخصصين في مجالات معينة، مما قد يؤثر سلبًا على فعالية التحكيم. تأهيل المحكمين وتدريبهم يعد أمرًا ضروريًا لضمان جودة الخدمات المقدمة. (المصدر: تقرير الهيئة العامة للتحكيم، 2023)

نقص الوعي أو عدم الثقة

تُعتبر الثقافة القانونية المحلية وعدم الوعي بالوسائل البديلة من أكبر العقبات. يُعتقد أن العديد من الأفراد والشركات أن القضاء التقليدي هو الخيار الأكثر موثوقية، مما يحد من استخدام التحكيم والوساطة.

1.1. ثقافة القانون التقليدي

يميل المجتمع القانوني في مصر إلى الالتزام بالنظام القضائي التقليدي، مما يثني الكثير من الأطراف عن استخدام الوسائل البديلة. يُعتقد أن الحلول التقليدية أكثر موثوقية على الرغم من بطء الإجراءات في المحاكم. (المصدر: دراسة سوسيولوجية عن النظام القانوني في مصر، 2021)

1.2. تجارب سلبية سابقة

بعض الأطراف التي جربت الوسائل البديلة قد تكون قد تعرضت لتجارب سلبية، مما يزيد من عدم الثقة. لذلك، من الضروري تحسين التجربة العامة للتشجيع على استخدام هذه الوسائل. (المصدر: تقرير عن تجارب التحكيم في مصر، 2022)

كيفية التغلب على هذه التحديات

  1. زيادة الوعي والتعليم: يجب تنفيذ حملات توعوية تهدف إلى توضيح مزايا التحكيم والوساطة. يمكن تنظيم ورش عمل وندوات تدريبية تستهدف المحامين، ورجال الأعمال، والطلاب. التعاون مع المؤسسات الأكاديمية يمكن أن يساعد في تحسين الوعي بهذه الوسائل.
  2. تحسين الإطار القانوني: ينبغي على الحكومة تعديل القوانين الحالية لتكون متوافقة مع المعايير الدولية وتسهيل إجراءات التحكيم والوساطة. يمكن الاستعانة بخبراء دوليين لتحسين الإطار القانوني.
  3. تيسير الإجراءات: العمل على تبسيط الإجراءات لجعلها أكثر سلاسة وسهولة. تطوير منصات إلكترونية يمكن أن يسهل الوصول إلى خدمات التحكيم والوساطة.
  4. تقديم الدعم المالي: يمكن إنشاء صناديق لدعم الأطراف ذات الدخل المحدود في تحمل تكاليف التحكيم والوساطة. يشمل ذلك تقديم استشارات قانونية مجانية أو بأسعار مخفضة.
  5. تدريب المحكمين: توفير برامج تدريبية للمحكمين لضمان تأهيلهم وتعزيز مهاراتهم، مما يساهم في رفع مستوى الخدمة.

دور الوسائل البديلة لحل النزاعات في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر

تعتبر الوسائل البديلة لحل النزاعات عاملًا مهمًا في جذب الاستثمارات الأجنبية.

  1. تعزيز الثقة: عندما يشعر المستثمرون أن لديهم آليات فعالة وسريعة لحل النزاعات، فإن ذلك يعزز من ثقتهم في السوق المصرية. التحكيم والوساطة يمكن أن يكونا وسيلتين مهمتين للتفاوض وحل المشكلات بشكل سلمي.
  2. توفير الوقت والمال: تحل الوسائل البديلة النزاعات بشكل أسرع وأقل تكلفة، مما يجعل بيئة الاستثمار أكثر جاذبية. الوقت الذي يُختصر في حل النزاعات يساهم في تقليل التكاليف العامة للأعمال.
  3. الامتثال للمعايير الدولية: إذا كانت مصر تمتلك نظامًا قويًا للتحكيم والوساطة، فإن ذلك يعكس التزام الدولة بالمعايير الدولية، مما يجذب المزيد من الاستثمارات. يُعتبر وجود نظام فعال علامة إيجابية للمستثمرين الدوليين.
  4. تحسين العلاقات التجارية: يمكن أن تساعد الوسائل البديلة في تعزيز العلاقات التجارية بين الأطراف، حيث تتيح للمستثمرين حل النزاعات بشكل ودي دون اللجوء إلى النزاعات القانونية المعلنة.

الخاتمة

تُعتبر الوسائل البديلة لحل النزاعات، مثل التحكيم والوساطة، أدوات حيوية لتعزيز الاستثمارات في مصر. ومع التغلب على العقبات القانونية والإجرائية وزيادة الوعي، يمكن أن تلعب هذه الآليات دورًا أساسيًا في تحسين مناخ الأعمال وجذب المزيد من المستثمرين الأجانب. إن تعزيز ثقة الأطراف في هذه الوسائل سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد المصري بشكل عام، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.

المراجع

  1. وزارة العدل المصرية، “قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994”.
  2. مركز الدراسات القانونية، “دراسة حول التحكيم التجاري في مصر”، 2022.
  3. لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، “تقرير عن التحكيم الدولي”، 2020.
  4. “دراسة حول فعالية الوسائل البديلة في حل النزاعات”، 2021.
  5. الهيئة العامة للتحكيم، “تقرير عن تجارب التحكيم في مصر”، 2023.
  6. “دراسة سوسيولوجية عن النظام القانوني في مصر”، 2021.